ملوك حمير «هداكم الله بهدايته»
يذكر الدكتور محمد أمين شاكر حلواني في كتاب «عالمية الإسلام- ورسائل النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى الملوك والأمراء»، حمير قبيلة عربية يرجع نسبها إلى جدها الجاهلي حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، كان ملك اليمن، وإليه نسبة الحميريين، وكان شجاعًا مظفرًا. ويقول المؤرخون العرب، إنه حكم بعد أبيه سبأ، وعاصمة ملكه صنعاء، وإنه غزا، وافتتح حتى بلغ بعض غزواته الصين، واتخذ تاجًا من الذهب، فكان أو من تتوج به، وأنجب ستة أبناء، ومنهم تفرعت قبائل مملكة حمير. ولقب بحمير لكثرة لبسه الثياب الحمر، وكان يكتب بالمسند على جميع سلاحه، وفي الجبال التي يمر بها، ثم حوله إلى الخط الحميري المنسوب إليه. وقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - رسالة إلى ملوك حمير قال فيها:
«نص الرسالة»:
«بسم الله الرحمن الرحيم، إلى الحارث وسروح ونعيم بني عبد بن كُلال من حمير، سلم أنتم ما آمنتم بالله ورسوله، وأن الله وحده لا شريك له، بعث موسى بآياته، وخلق عيسى بكلماته، قالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: الله ثالث ثلاثة، عيسى ابن الله». وكان سفير رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى بني عبد كلال هو عياش بن أبي ربيعة -عمرو- بن المغيرة المخزومي، يكنى أبا عبدالرحمن، أسلم قديمًا، قبل أن يدخل الرسول - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم، هاجر إلى الحبشة، واستشهد يوم اليرموك.
وكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - وصية لسفيره عياش بن أبي ربيعة حين بعثه بالرسالة قال: «إذا جئت أرضهم، فلا تدخلن ليلا حتى تصبح، ثم تطهر فأحسن طُهورك، وصل ركعتين وسل الله النجاح والقبول، واستعذ بالله، وخذ كتابى بيمينك، وادفعه في أيمانهم، فإنهم قابلون، وأقرأ عليهم (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) (سورة البينة- الآية1)، فإذا فرغت منها فقل: آمن محمد، وأنا أول المؤمنين، فلن تأتيك حجة إلا دحضت، ولا كتاب زخرف إلا ذهب نوره، وهم قارئون عليك، فإذا رطنوا فقل: ترجموا، وقل: حسبي الله، آمنت بما أنزل الله من كتاب، وأمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا وإليه المصير، فإذا أسلموا فسلهم قضبهم الثلاثة التي إذا حضروا بها سجدوا، وهي الأثل، قضيب ملمع ببياض وصفرة، وقضيب ذو عُجر، كأنه خيزران، والأسود إليهم، كأنه من ساسم، ثم أخرجها فحرقها بسوقهم.
ونفذ عياش وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستجابوا لله وللرسول، وقدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتاب ملوك حمير بإسلامهم، مقدمه من تبوك، فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأرسل إليهم مجموعة من الرسل لتعليمهم، وأمر عليهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه- وأوصاه بوصايا لتبليغها لهم، وزوده برسالة، بين فيها ما يجب عليهم فعله، وبين لهم فيها بعض الأحكام، وأوصاهم برسله خيرًا. وبعد ذلك أسلموا جميعا وفارقوا الشرك. يضيف، عن محمد بن إسحاق، عن عبدالله بن أبى بكر، رضى الله عنهما، قال: قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتاب ملوك حمير، مقدمه من تبوك بإسلام الحارث بن عبد كلال، ونُعيم بن عبد كلال، والنعمان قيل ذي عين، وهمدان، ومعافر. فكتب إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«بسم الله الرحمن الرحيم»
من محمد رسول الله إلى الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذى رُعين، وهمدان، ومعافر.
أما بعد، «فإنى أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، فإنه وقع إلينا رسولكم قافلا من أرض الروم، فلقينا بالمدينة، فبلغ ما أرسلتم، وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين، وإن الله تعالى قد هداكم بهدايته، إن أصلحتم الزكاة، وأعطيتم من المغانم خمس الله، وخمس نبيه وصفيه، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار، عشر ما سقت العين وسقت السماء، وعلى ما سقى الغرب نصف العشر.
وأن في الإبل الأربعين ابنة لبون، وفي ثلاثين من الإبل ابن لبون ذكر، وفي كل خمس من الإبل شاة، وفي كل عشر من الإبل شاتان، وفي كل أربعين من البقر بقرة ، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع ، جذع أو جذعة، وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها، شاة.
وأنها فريضة الله التي فرض على المؤمنين في الصدقة، فمن زاد خيرا فهو خير له، ومن أدى ذلك، وأشهد على إسلامه، وظاهر المؤمنين على المشركين، فإنه من المؤمنين، له ما لهم، وعليه ما عليهم، وله ذمة الله وذمة رسوله.
وإنه من أسلم من يهودي أو نصراني، فإنه من المؤمنين، له ما لهم، وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها، وعليه الجزية، على كل حال ذكر أو أنثى، حر أو عبد، دينار واف، من قيمة المعافر، أو عوضه ثيابا .
فمن أدى ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منعه فإنه عدو لله ولرسوله .
أما بعد : فإن رسول الله محمدًا النبي، أرسل إلى زرعة ذي يزن، أن إذا أتاكم رسلي فأوصيكم بهم خيرًا، معاذ بن جبل، وعبدالله بن زيد، ومالك بن عبادة، وعقبة بن نمر، ومالك بن مرة، وأصحابهم، وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخالفيكم، وأبلغوها رسلي، وأن أميرهم معاذ بن جبل، فلا ينقلبن إلا راضيا . ثم أن مالك بن مرة، قد حدثني أنك أسلمت من أول حمير، وقتلت المشركين، فأبشر بخير، وآمرك بحمير خيرًا، ولا تخونوا ولا تخاذلوا، فإن رسول الله هو ولي غنيكم وفقيركم، وأن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته، إنما هي زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل. وأن مالكًا قد بلغ الخبر، وحفظ الغيب، وآمركم به خيرًا، وإني قد أرسلت إليهم من صالحي أهل وأولي دينهم وأولي علمهم، وآمرك بهم خيرًا، فإنهم منظور إليهم، والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.